القرآن يتحدث عن كواشف الكذب
منذ أكثر من مئة عام والعلماء يحاولون اختراع جهاز لكشف الكذب في كلام الإنسان، ولكن هذه المحاولات تفشل بسبب عد معرفتهم للآلية التي يعمل الكذب عليها، فقد جرَّبوا كل الاختبارات على الإنسان بهدف الوصول إلى جهاز يكشف الكذب للاستفادة منه في التحقيق مع المجرمين.
وبعد تجارب مضنية وصلوا إلى أفضل ثلاث طرق لكشف الكذب، وهي طريقة بصرية وطريقة سمعية وطريقة مغنطيسية، وربما تعجب عزيزي القارئ إذا علمت أن القرآن قد أشار بوضوح إلى هذه الطرق الثلاث!
1- الطريقة البصرية لكشف الكذب
لقد لاحظ بعض الباحثين تغيرات تحدث في تقاسيم الوجه أثناء الكذب، فقام بتجربة تتضمن تصوير إنسان يتحدث بصدق وفي اللحظة التي يكذب فيها تظهر ملامح محددة على وجهه تختلف عن حالة الصدق، ولكن هذه الملامح سريعة جداً ولا تدركها العين البشرية. واستخدم طريقة التصوير السريع لإدراك هذه التغيرات، ثم قام بإبطاء الصورة فلاحظ أن ملامح الوجه تتغير بشكل واضح أثناء الكذب.
يؤكد العلماء أن حركات الجسد تتغير أيضاً أثناء الكذب، وذلك عندما درسوا ما يسمى "لغة الجسد" حيث يعبر كل إنسان عن نفسه من خلال حركات الأيدي والجسم والوجه، ويقولون إن اللغة التي يعبر بها الجسد عن نفسه أثناء الحديث تختلف نم شخص لآخر وتختلف كثيراً أثناء الكذب، حيث لا يمكن للإنسان أن يتحكم بحركات جسده أثناء الحديث.
2- الطريقة السمعية لكشف الكذب
ولكن هناك باحثون اعتمدوا على صوت الإنسان! فقد قاموا بإجراء تسجيل صوتي لإنسان وهو يتحدث بصدق، وفي اللحظة التي يكذب فيها كانت الترددات الصوتية الصادرة عنه تتغير، أي أن الموجات الصوتية التي يسجلها الجهاز لها شكلان: الشكل الأول هو حالة الصدق، والشكل الثاني هو حالة الكذب. وقد كان واضحاً الفرق بينهما.
ويؤكد العلماء أن لكل واحد منا بصمة صوت خاصة به، ولكل واحد منا بصمة عين خاصة به، وسبحان الله، أثناء الكذب فإن العين والصوت والجسد تفصح عن صاحبها، ولكن وبسبب سرعة هذه التغيرات لا يمكن أن ندركها إلا بشكل قليل، وقد تخفى علينا غالباً. أما الأجهزة التي اخترعها العلماء فإنها تُظهر هذه التغيرات بمنتهى الوضوح.
3- الطريقة المغنطيسية لكشف الكذب
هناك فريق من العلماء حاول الدخول إلى دماغ الإنسان ومعرفة ما يجري أثناء الكذب، واستخدم من أجل ذلك جهاز المسح المغنطيسي الوظيفي fMRI وهو جهاز يعمل بالموجات المغنطيسية ويستطيع كشف نشاط الدماغ.
وبعد العديد من التجارب وجد العلماء أن الإنسان عندما يكذب فإن المنطقة الأمامية من دماغه تنشط بشكل مفاجئ، ولذلك استطاعوا كشف الكذب بواسطة هذا الجهاز ومن خلال تصوير النشاط الدماغي في هذه المنطقة.
والآن نستعرض تطور أجهزة كشف الكذب بالصور:
حاول العلماء منذ عشرات السنين اختراع أجهزة لكشف الكذب، ولكن هذه الأجهزة بقيت قليلة الفعالية ولذلك يبحث العلماء باستمرار عن أساليب جديدة لكشف الكذب.
جهاز البولي غراف، وهو جهاز يقيس سرعة النبض وكمية التعرق ونسبة التنفس وضغط الدم، وقد لاحظ العلماء أن هذه النسب تتغير أثناء الكذب ولكن هذا الجهاز غير دقيق لأن الكاذب المحترف يستطيع التغلب على هذه التغيرات.
إجراء تجربة تقليدية لكشف الكذب بواسطة البولي غراف، وعلى الرغم من التطور الهائل لهذا الجهاز إلا أنه لا يزال أقل كفاءة من المطلوب، لأن الإنسان يستطيع تدريب نفسه على الكذب والتغلب على هذه التغيرات وبالتالي فهذا الجهاز يعتبر غير فعال اليوم. ولكن العلماء يقولون بأنه فعال في كشف الخوف أكثر من الكذب.
ترصد أجهزة كشف الكذب العديد من التغيرات في جسد الإنسان عندما يكذب، وهذه التغيرات تنعكس على الوجه والصوت والعينين. هذه النتائج يرسمها جهاز كشف الكذب التقليدي، وهو جهاز يرصد التغيرات الظاهرية في سرعة دقات القلب وضغط الدم والحركة وغير ذلك ويظهر النتائج على شاشة كمبيوتر. وسبب انتشار هذه الأجهزة هو رخص ثمنها وسهولة استعمالها.
جهاز لكشف الكذب بواسطة الصوت، ويعتمد هذا الجهاز في عمله على تسجيل الصوت أو مقاطع صوتية في حالة الصدق ثم في حالة الكذب ومقارنتها بواسطة برنامج خاص، وتحديد ما إذا كان الإنسان صادقاً أو كاذباً، وذلك من خلال التغيرات التي تظهر على منحنيات الصوت التي يسجلها الجهاز.
يتم في مثل هذه الأجهزة تسجيل الصوت ومن ثم تحليله والبحث عن مواضع الإجهاد الصوتي، أي لحظة الكذب هناك لحن خاص للصوت يظهر واضحاً في هذا البرنامج، وهو ما حدثنا عنه القرآن بقوله تعالى (ولتعرفنهم في لحن القول)، صدق الله العظيم.
يبين جهاز المسح المغنطيسي الوظيفي أن هناك مناطق رئيسية في الدماغ تنشط أثناء الكذب وهذه المناطق هي المنطقة ما قبل الأمامية والمنطقة الأمامية وما تحت القشرة الدماغية، وقد سمى القرآن هذه المناطق بالناصية وأخبر بأن هذه الناصية هي مركز الكذب والخطأ وهو ما كشفه العلماء حديثاً!
والآن نأتي إلى القرآن الكريم لنكتشف أن ما تم على أساسه اختراع هذه الأجهزة قد أشار إليه القرآن، وهذا يعتبر من إعجاز هذا الكتاب العظيم لأن علماء الغرب يؤكدون أن ما يكشفونه اليوم لم يكن لأحد علم به من قبل، فمن أين جاء هذا العلم في القرآن؟ إنه دليل على أن الذي أنزل هذا القرآن هو الذي يعلم السرَّ وأخفى وهو القائل: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ) [آل عمران: 5].
الإعجاز
يقول تعالى في آية عظيمة يحدث سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم: (وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) [محمد: 30]. هذه الآية تتحدث عن أولئك المنافقين الكاذبين تخبر النبي بأنهم كاذبون وأن الله قادر على إخراج كذبهم وكرههم للنبي والمؤمنين. وانظروا معي كيف عبرت الآية عن كشف الكذب لدى هؤلاء بطريقتين:
1- يقول تعالى: (وَلَوْ نَشَاء لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ) أي أن الله لو شاء لجعل نبيَّه يرى كذب هؤلاء من خلال تقاسيم وجههم (سيماهم) أي السمات والملامح التي ترتسم على الوجه، وهذه إشارة واضحة إلى طريقة كشف الكذب من خلال الوجه. أي أن هذه الآية تؤكد أنه يمكن كشف الكذب من خلال تقاسيم الوجه، وهو ما يستخدمه العلماء اليوم من خلال أجهزتهم.
2- القسم الثاني من الآية الكريمة: (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) ففي هذه الكلمات إشارة واضحة إلى معرفة أو كشف الكذب من خلال الصوت (لَحْنِ الْقَوْلِ)، واللحن هو التغير الطفيف في الصوت أثناء الكلام. ولذلك فإن الآية أشارت إلى الطريقة السمعية في كشف الكذب من خلال الصوت.
3- أما الطريقة الثالثة فقد أثبت العلماء أن المنطقة الأمامية من الدماغ تنشط أثناء الكذب، وهذا ما أشار إليه القرآن في قوله تعالى يصف الناصية: (نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ) [العلق: 16]. فقد وصف الله ناصية الإنسان ،أي مقدمة رأسه، بالكذب وهذا ما يراه العلماء اليوم من خلال أجهزتهم.
4- هناك طريقة لكشف الكذب من خلال تصوير الهالة الحرارية حول العينين، ويؤكد الباحثون الأمريكيون في Mayo Clinic أن الإنسان عندما يكذب يزيد تدفق الدم في وجهه وبخاصة حول عينيه، مما يؤدي إلى رفع درجة الحرارة حول العينين بشكل طفيف جداً ويمكن التقاط هذا التغير بواسطة جهاز كشف الكذب.
أي أن العين يمكن أن تخدع الآخرين، ولذلك أخبرنا المولى جل جلاله أنه يعلم خائنة الأعين، فالعين تخفي أشياء سريعة جداً لا يمكن لأحد أن يدركها بعينه المجردة، ولكن الله يعلمها، وقد شاء الله أن يخترع الإنسان هذه الأجهزة لتكون دليلاً على صدق كلام الله، وأن علم الله أكبر من علم البشر! قال تعالى عن نفسه: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر: 19].
الرد على منكري هذه المعجزة
يدعي بعض المشككين أن منطقة الناصية أو مقدمة الدماغ لا علاقة لها بالكذب ويقولون هناك أكثر من منطقة مسؤولة عن الكذب ولا ينحصر الكذب في هذه المنطقة، ويدعي آخرون أن منطقة الخطأ تختلف عن منطقة الكذب، ومن هنا وجدتُ من المناسب أن أضع نتائج التجربة التي قام بها باحثون في جامعة بنسلفانيا على 18 طالباً، وجاء بنتيجة الدراسة ما يلي:
When the students lied, the areas of the brain that play a role in paying attention and controlling error were much more active than when the students told the truth. The brain sections include the anterior cingulate gyrus, located deep in the brain towards the top of the head, and parts of the prefrontal and premotor cortexes, both located in the very front of the brain.
ونتيجة هذا الكلام: عندما كذب الطلاب فإن المناطق في الدماغ التي تلعب دوراً في الانتباه والتحكم بالخطأ، هذه المناطق كانت أكثر نشاطاً أثناء الكذب، هذه المناطق تقع في مقدمة الدماغ في أعلى الرأس، وأجزاء من الفص ما قبل الأمامي من الدماغ وأجزاء أخرى تقع جميعها في مقدمة الدماغ في أقرب نقطة من مقدمة الرأس.
انظروا معي أيها الأحبة كيف يعبرون بنتائج تجربتهم أن المنطقة المسؤولة عن الخطأ هي ذاتها التي تنشط أثناء الكذب وهذه المنطقة هي أعلى ومقدم الدماغ في أقرب مكان للجبهة، وهذه المنطقة هي ما سماه القرآن بالناصية، ووصف الناصية بصفتين: الكذب والخطأ فقال: (نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ)، فهل هناك أوضح من هذا التعبير الإلهي لوصف مهمة هذه المنطقة؟
إنني أرى من خلال كلام علماء الغرب شرحاً لما جاء في القرآن، فالقرآن وصف منطقة الناصية بالخطأ والكذب، والعلماء وبعد تجارب دقيقة يقولون إن مقدمة وأعلى الدماغ في أقرب نقطة من الرأس أو الجبهة، هذه المنطقة والتي تتحكم بعمليات الخطأ عند الإنسان هي ذاتها تتحكم بالكذب، أي أن ناصية الإنسان (غير المؤمن طبعاً) هي ناصية كاذبة خاطئة!!
أما المؤمن فنجد ناصيته نظيفة ولا تنشط إلا في التوجه إلى الله تعالى كما كان الأنبياء يفعلون في توجههم إلى ربهم وتسليمهم الأمر إليه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه لربه (ناصيتي بيدك)، ويقول سيدنا هود عليه السلام في خطابه لقومه: (إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آَخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [هود: 56]. ولذلك يا أحبتي اعملوا على صيانة هذه المنطقة وتجنب الكذب، لأن الإنسان يستطيع أن يخدع البشر ولكن لن يخدع خالق البشر جل وعلا.
وأقول أيضاً إذا كان الإنسان بأجهزة غير عاقلة استطاع أن يكشف الكذب، فكيف برب السموات السبع سبحانه وتعالى، ألا يعلم بقلوب عباده وما يخفونه؟ يقول تعالى: (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [التغابن: 4].
وهكذا يتبين لنا أن القرآن لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا وتحدث عنها، وكل يوم تنكشف أمامنا حقائق جديدة ليبقى هذا الكتاب كما حدثنا عنه الحبيب صلى اله عليه وسلم: (ولا تنقضي عجائبه) [رواه الترمذي]، وتبقى كلمات الله لا نهاية لأسرارها تصديقاً لقوله تعالى: (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [لقمان: 27].